مواقع التواصل الاجتماعي.. سلاح لمواجهة التطرُّف وتعزيز الهوية الوطنية

في عصر الرقمنة والتواصل الفوريِّ، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعيِّ جزءًا لا يتجزَّأ من حياة الأفراد والمجتمعات، كما تلعب دورًا محوريًّا في تشكيل الوعي العام، والتأثير على السلوكيَّات الاجتماعيَّة والثقافيَّة.وبينما يتزايد استخدامها في مختلف أنحاء العالم، تبرز أهميَّتها في مكافحة الانحلال الأخلاقيِّ والتطرُّف الفكريِّ، وتعزيز قيم الوسطيَّة والانتماء الوطنيِّ.

يؤكِّد الدكتور علي السويهري، أستاذ الصحَّة النفسيَّة المشارك بالجامعة الإسلاميَّة، أنَّ مواقع التواصل الاجتماعيِّ أصبحت ساحةً فكريَّةً ضخمةً تتصارع فيها الأفكار والقيم، فمن جهةٍ، تسهم في نشر الفكر المتطرِّف والانحلال الأخلاقيِّ، ومن جهةٍ أُخْرى، تمثِّل منصَّةً قويَّةً لمواجهة هذه التحدِّيات عبر نشر المحتوى الهادف والتوعويِّ.

“إذا أُحسن استخدامها، يمكن أنْ تكون وسيلةً فعَّالةً لنشر القيم الأخلاقيَّة وتعزيز الانتماء الوطنيِّ، بطرق مبتكرة وجذَّابة”.

مكافحة الانحلال الأخلاقي

من جهةٍ أُخْرى، يقول الدكتور سالم عريجة، المتخصِّص في الاتِّصال الرقميِّ والمدرب المعتمد، إنَّ الانفتاح غير المسبوق عبر الإنترنت، أدَّى إلى ظهور تحدِّيات أخلاقيَّة كبيرة، خاصَّةً لدى فئة الشباب، مشدِّدًا على ضرورة تحقيق التوازن بين حريَّة التَّعبير وضوابط المحتوى الأخلاقيِّ.

ويوضِّح: “تلعب وسائل التواصل الاجتماعيِّ دورًا حاسمًا في تشكيل سلوك الأفراد، ومن هنا تأتي أهميَّة تعزيز المحتوى الهادف والمفيد، بالإضافة إلى دور المؤسَّسات الرسميَّة والأفراد في إنتاج محتوى يعزِّز القيم الأخلاقيَّة، ويحد من انتشار المواد غير اللائقة”.

من جهته، يرى البرفيسور محمود كسناوي المتخصِّص في علم الاجتماع، أنَّ الرقابة وحدها لا تكفي؛ للحدِّ من الانحلال الأخلاقيِّ، بل يجب التَّركيز على التَّوعية، وتزويد الأفراد بالقدرة على التَّمييز بين المحتوى المفيد والضَّار.

ويضيف: “عندما يتلقَّى الفرد التَّوجيه الصَّحيح، يصبح أكثر وعيًا وتأثيرًا إيجابيًّا في محيطه، وهنا يأتي دور المشاهير والمؤثِّرين في نشر القيم الإيجابيَّة عبر المحتوى الذي يقدِّمونه”.

تعزيز قيم الوسطية

ويشير الدكتور نايف الهذلي، إلى أنَّ الجماعات المتطرِّفة تستغل الفضاء الرقميَّ لنشر أفكارها، مستهدِفةً الفئات الشَّابة تحديدًا، وهو ما يستدعي إستراتيجيَّات لمواجهتها.

ويقول الهذلي: “الحل يكمن في تقديم خطاب بديل قوي، يعتمد على الوسطيَّة والاعتدال، بحيث يكون قادرًا على مواجهة الفكر المتطرِّف بالحجَّة والمنطق، وهذا لا يمكن تحقيقه إلَّا من خلال تكاتف الجهات الرسميَّة والإعلاميِّين والمؤثِّرين على هذه المنصَّات”.

وفي السياق ذاته، يشدِّد الهذلي على تعزيز ثقافة الحوار، والتفكير النقديِّ، ويضيف: “وسائل التواصل الاجتماعيِّ تتيح الفرصة لنشر مفاهيم التَّسامح والاعتدال؛ ممَّا يسهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا”.

تعزيز الانتماء الوطني

ويؤكِّد بدر بن ماضي المتخصِّص في مواقع التواصل الاجتماعيِّ، أنَّ وسائل التواصل الاجتماعيِّ أصبحت أداةً مؤثِّرةً في تشكيل الوعي الوطنيِّ، قائلًا: “عندما تُستخدم هذه المنصَّات لنقل صورة حقيقيَّة عن الإنجازات الوطنيَّة، وتعزيز القيم الوطنيَّة، فإنَّها تصبح قوَّةً إيجابيَّةً تعزِّز الانتماء، وتحفِّز المواطنين للمشاركة الفاعلة في بناء الوطن”.

ويضيف: “الوعي الوطنيُّ لا يتشكَّل فقط عبر الخطابات الرسميَّة، بل يحتاج إلى مشاركة مجتمعيَّة فاعلة، تتجلَّى في دعم المبادرات الوطنيَّة، والتفاعل الإيجابيِّ مع القضايا التي تهم المجتمع”.

وفي هذا الصدد، يقدِّم المتخصِّص في مواقع التواصل الاجتماعيِّ سعد المسعودي، بعض التَّوصيات للاستفادة القصوى من هذه المنصَّات، تتضمَّن تعزيز المحتوى الإيجابيِّ، والتَّركيز على نشر المواد التوعويَّة، والمحتوى الثقافيِّ والتعليميِّ؛ بما يُسهم في خلق بيئة رقميَّة إيجابيَّة.

وشدَّد على ضرورة التأكُّد من صحَّة المعلومات قبل نشرها، وتجنُّب الانسياق وراء الأخبار المضلِّلة، وكذلك دعم المبادرات الوطنيَّة، وتعزيز روح المواطنة، ومكافحة التطرُّف والإشاعات من خلال نشر الفكر المعتدل، والتصدِّي للأخبار الزَّائفة، والخطابات المتطرِّفة.

ويقول المتخصِّص في مواقع التواصل الاجتماعيِّ ثامر الجعيد: في ظلِّ التطوُّر المُتسارع لمواقع التواصل الاجتماعيِّ، يبقى التحدِّي الأكبر هو كيفيَّة استغلال هذه المنصَّات بشكل إيجابيٍّ يحقِّق الفائدة للمجتمع، ويحافظ على القيم والأخلاق، ويعزِّز الانتماء الوطنيَّ.

وكما أنَّها قد تكون وسيلةً لنشر السلبيَّات، يمكن أنْ تصبح أداةً قويَّةً للبناء والتَّوعية، إذا ما استُخدمت بوعي ومسؤوليَّة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slot 5000 Slot pulsa

Slot 5000

Slot deposit 5000