** وبالرغمِ من صعوبة التَّوصل إلى حالة الاندماج هذه، ولاسيَّما في ظلِّ وجود مؤثِّرات خارجيَّة على مجمل الوضع في الدَّاخل، إلَّا أنَّ جميع الأطراف الداخليَّة منها، أو الخارجيَّة تظلُّ مطالبةً، بل ومسؤولة عن ضرورة التَّوصل إلى توافقاتٍ من هذا النَّوع؛ لما فيه خيرُ ومصلحةُ الجميع؛ تجنُّبًا لأيِّ صراعاتٍ جديدةٍ تقود المنطقةَ إلى ما هو أسوأ وأخطر.
** وفي ظنِّي أنَّ الجميع مدركٌ لهذه الحقيقة، بدءًا بهيئة تحرير الشَّام، التي تقود -الآنَ- المشهدَ العام في الدَّاخل السوري، وتنظيم (قسد) سوريا الديمقراطيَّة، التي تمثِّل أكراد سوريا، ومَن يقفُون معها.. ومرورًا بتركيا، والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وانتهاءً بالرُّوس والإيرانيِّين الذين لهم حضورهم في الدَّاخل السوريِّ، وبالتالي فإنَّهم جميعًا مطالبُون بالاتِّفاق على أهميَّة قيام سوريا موحَّدة؛ لبناء الدَّولة المستقلَّة والمستقرَّة؛ تجنُّبًا لتضاربِ المصالح، ومنعًا لأيِّ حروب مدمِّرة قادمة لا مصلحةَ لأحدٍ فيها.
** وفي هذا الإطار، فإنَّ المؤشِّرات التي تصدرُ -حتَّى الآنَ من الدَّاخل السوريِّ- تبدُو جيِّدةً، وذلك في العمل في اتِّجاهَين:
الأوَّل: السَّعي الحثيث في الدَّاخل؛ للسيطرة على مجمل الوضع، وتأمين البلد من الدَّاخل، وتقريب وجهات النَّظر بين شركاء المرحلة؛ تمهيدًا لرسم ملامح الدَّولة السوريَّة الجديدة.
الثَّاني: تحسين الصُّورة الخارجيَّة لملامح النِّظام الجديد؛ تحقيقًا للاعتراف الدَّولي المُرتقب، ورفع الحظر المضروب على الفصائل، التي تمكَّنت من إسقاط النِّظام، وبدأت في العمل على تولِّي مقاليد السُّلطة.
** ومن المتوقَّع أنْ تظهر ملامح التَّغيير مع بداية شهر مارس المقبل، وطبيعة النِّظام المُرتَقب وشكله، وذلك بانتهاء مدَّة تكليف الحكومة الحاليَّة المؤقَّتة برئاسة «المهندس محمد البشير»، وتبلور الاتِّصالات والمشاورات واللقاءات بين أمريكا وتركيا من جهة، وبينهما وبين الدُّول العربيَّة الفاعلة من جهةٍ ثانيةٍ. وبين الطَّرفين، وبين الأُمم المتحدة، وممثِّليها في المنطقة أيضًا.
** وفي الوقتِ نفسِه، فإنَّ المشهدَ لن تكمل صورته النهائيَّة إلَّا بوضعِ حدٍّ للاعتداءات الإسرائيليَّة المتواصلة على سوريا؛ مستغلًّا انشغال العالم بمجمل الوضع، لبناء مستقبل سوريا.
** وكذلك بالتَّحديد النِّهائي لوضع القواعد الروسيَّة والأمريكيَّة في الدَّاخل السوريِّ.. وللدَّور التركيِّ المُرتَقَب أيضًا.
** ومن الصَّعب أنْ يتوقَّع مُراقبٌ مَا سوف يُسفر عنه الوضعُ النِّهائي لكلِّ هذه المشكلات، لكن مِن الواضحِ أنَّ هناك رغبةً شبهَ مشتركةٍ فِي أنْ:
1- تكون سوريا.. بلدًا واحدًا.. ومستقرًّا.. ومستقلًّا، في ظلِّ نظامٍ يحفظ لجميع السوريِّين حقوقهم بتساوٍ تامٍّ، تنصهر فيه جميع الأديان، والطوائف، والأقليَّات.
– يتَّفقُ الجميعُ على استئصال جميع أشكال الإرهاب، والتَّطرُّف من الدَّاخل السوريِّ، وبقيَّة أرجاء المنطقة، ولا تكون الأراضي السوريَّة مقرًّا لأيِّ تكتلٍ، أو قوَّةٍ، أو فصيلٍ تحتَ أيِّ مُسمَّى كان، وهو التَّوجه الذي ينسحب على لبنان، وكذلك على أيِّ أراضٍ عربيَّةٍ أُخْرَى قريبة من لبنانَ وسوريَا، أو بعيدةً عنهمَا.
– العملُ بقوَّة -في مرحلةِ مقبلة- على إيجادِ تفاهماتٍ بين الأطراف والقوى الموجودة على الأراضي السوريَّة؛ لمنع تضارب المصالح بينها، وإنْ كان المطلوبُ -سوريًّا وعربيًّا- هو خروجُ الجميع ليس فقط من سوريا ولبنانَ، وإنَّما من كلِّ مكان في الوطن العربيِّ تُوجد فيه قوَّة متصارعة لا حاجة لدولنا وشعوبنا بها.
** تلكَ هي المؤشِّرات الرئيسة الأبرز لمستقبل الوضع في سوريا الشَّقيقة، وهِي مؤشِّرات تحملُ في طيَّاتها بعضَ الأملِ في أنْ تتَّجه المنطقة إلى شيءٍ من الاستقرارِ في المرحلة المقبلة.
** لكنَّ الشيءَ المؤكَّدَ هو أن التحرُّك العربيُّ الفعَّال؛ لضمان سلامة واستقرار وعروبة سوريا.. سيكون مفيدًا للغاية؛ للحفاظ على هويَّة البلد العربيِّ الشَّقيق، وتأمين سلامة مواطنيه، ودمجه بالكامل في منظومته العربيَّة، بل وفي إعادة العمل العربيِّ إلى ما يجب أنْ يكون عليه؛ لما فيه خير دولنا، وشعوبنا، ومستقبل أجيالنا.