د. نظير عياد مفتى الجمهورية الجديد فى حوار خاص لـ«الوفد»:
فلسطين قضية مصير.. ومصر لن تتأخر فى الدفاع عنها
«الطيب» أوصانى بتحقيق مطالب الناس والتفانى فى العمل
المبادرة الرئاسى «بداية» ركيزة أساسية لاستعادة الهوية الوطنية
التصوف حياة روحية.. وتلحين القرآن باطل
فضيلة الدكتور نظير محمد عياد، مفتى الديار المصرية الجديد، استطاع جذب الأنظار إليه كأحد علماء الأزهر الثقات منذ أن شغل منصب أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، حيث عرف عنه انضباطه ودقته ونظامه الشديد، بالإضافة إلى فكره الوسطى وشخصيته العلمية الرصينة وتواضعه الجم.
تولى «عياد» منصب المفتى اعتبارًا من 12 أغسطس 2024 خلفًا لفضيلة الدكتور شوقى علام المفتى السابق بناء على قرار جمهورى وبترشيح من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.
ولد مفتى الجمهورية الجديد فى قرية «إبشان» التابعة لمركز بيلا فى كفر الشيخ 1972 وحصل على ليسانس أصول الدين فى العقيدة والفلسفة فى مايو عام 1995، ثم الماجستير فى أصول الدين تخصص العقيدة والفلسفة 2000 ثم نال درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 2003.
تدرج الدكتور نظير عياد فى الدرجات الأكاديمية، حيث عمل معيدًا ثم مدرسًا مساعدًا ثم مدرسًا فأستاذًا مساعدًا بكلية أصول الدين جامعة المنصورة، حتى انتقل منها إلى كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بكفر الشيخ ليعمل أستاذًا بقسم العقيدة والفلسفة.
نال «عياد» العديد من العضويات العاملة داخل الأزهر الشريف، فهو عضو بالمنظمة العالمية لخريجى الأزهر واللجنة النقابية للعاملين بالبحث العلمى بالأزهر، وبيت العائلة المصرية، وفريق حماية البيئة ومكافحة الإدمان بوزارة الشباب، وعضو مجلس إدارة الجامع الأزهر، والمجلس الأعلى للأزهر الشريف منذ 2019 وعضو مجلس مجمع البحوث الإسلامية.
بلغت مؤلفاته الثلاثين مؤلفًا فى تخصصاتٍ عديدةٍ منها علم الكلام والفلسفة والمنطق والفرق والمذاهب والأديان والتصوف.
حاضر فى العديد من المؤتمرات والندوات العلمية فى مصر وخارجها، ودرس فى الكثير من الجامعات الخارجية فى الجامعة السومرية بليبيا والطائف بالسعودية، كما ناقش وأشرف على ما يزيد على 35 أطروحة علمية للماجستير والدكتوراه.
حصل «عياد» على العديد من الشهادات والجوائز تكريمًا له داخل مصر وخارجها، وخلال مسيرته العلمية شغل منصب وكيل لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالأزهر فرع كفر الشيخ، ثم منصب أمين عام مجمع البحوث الإسلامية منذ (2019-2024) ليتولى بعدها منصب المفتى بقرار جمهورى لمدة أربع سنوات.
«الوفد» التقت فضيلة الدكتور نظير عياد مفتى الديار المصرية الجديد، وهذا نص الحوار:
< بداية.. كيف استقبلتم قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بتوليكم منصب مفتى الديار المصرية.. وماذا عن دعم فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر لكم؟
<< قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بتكليفى بهذه المهمة، يفرض علىّ الكثير من المسئوليات تجاهها، فهى أمانة ثقيلة تحتاج إلى مجهودات ليست بالقليلة نسأل الله أن يعيننا جميعًا على أدائها بما يحقق صالح البلاد والعباد ويحقق مراد الله فى كونه، كما أن هذه الثقة الغالية من الرئيس هى مسئولية كبيرة أمام الله، داعيًا المولى -عز وجل- أن يوفقه لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يديم عليه التوفيق لما فيه مصلحة وطننا الحبيب وشعب مصر الكريم، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان والسلامة والاستقرار والازدهار. كما أن فضيلة الإمام الأكبر فى الحقيقة كان -ولا يزال- نعم الداعم لكل عمل إيجابى، فقد تعلمنا منه الكثير من الجد والاجتهاد، لأجل أداء رسالة هذا الدين وتحقيق مقاصد الشريعة السمحاء، وقد أوصانا كثيرًا فى كل مسئولية كلفنا بها بتحقيق مطالب الناس والتفانى فى العمل، فهو قدوة لنا جميعًا، وعلى المستوى الشخصى فقد تعلَّمت على يديه، وسأظل أجتهد فى اقتفاء مواقفه فى نصرة الدين والوطن، سائلًا المولى -عز وجل- أن يبارك فى عمره وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.
< نقلة كبيرة فى مسيرتكم العملية من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف إلى دار الإفتاء.. هل ترى أن هناك تكاملًا حقيقيًا بين المؤسسات الدينية فى مصر أم أنها تعمل فى جزرٍ منعزلة؟
<< العمل فى المؤسسات الدينية رسالة أيًا كان الموقع، فجميعها مسئولية ملقاة على عاتق كل من يتولى مهام العمل بها، كما أنه لا شك أن التعاون القائم بين هذه المؤسسات الدينية فى مصر من أهم عوامل تحقيق الاستقرار المجتمعى، وهو ما من شأنه أن يسهم بشكلٍ كبيرٍ فى الارتقاء بالوعى المجتمعى ويحقق مراد هذا الدين الذى أراد الله أن تكون تشريعاته محققة للسلام والطمأنينة والتعايش بين الجميع، ولذا أعتقد أن الفترة المقبلة سوف تشهد تكثيفًا لهذا النوع من التعاون بين المؤسسات الدينية فى مصر تحت مظلة الأزهر الشريف، سواء على مستوى التعاون العلمى أم التدريبى للدعاة والأئمة وأمناء الفتوى، وحتى على مستوى الإصدارات العلمية وإقامة المؤتمرات والندوات والمشاركة فى المناقشات العلمية لكثير من القضايا المعاصرة والمستجدة. وإذا نظرنا إلى مجمع البحوث الإسلامية باعتباره الهيئة العليا للبحوث الإسلامية ودوره المهم فى دراسة فى كل ما يتصل بهذه البحوث، ودوره فى تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وتجليتها فى جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفى كل بيئة، يدرك هذا التعاون العلمى المشترك مع دار الإفتاء وغيرها، فالمجمع به لجان علمية ومنها على سبيل المثال لجنة البحوث الفقهية والتى تضم مفتى الجمهورية ويشارك فيها القائم على الإفتاء منذ زمن طويل فى مناقشة القضايا الفقهية المعاصرة، كما أن هناك الكثير من أوجه العمل العلمى المشترك سواء بشكل خاص أم مع مؤسسات الدولة المختلفة، فضلًا عن تلك التشاور فى كثير من القضايا العلمية ومنها مسائل الزكاة، وصدقة الفطر الذى يخرج بها بيان مشترك بين الدار والمجمع، إلى غير ذلك.
< ما تقييمك لما يحدث فى الأراضى الفلسطينية فى الوقت الراهن وموقف مصر تجاه تهجير الفلسطينيين خارج وطنهم وماذا عن قراءتكم للتحركات المصرية من أجل مساندة الحقوق الفلسطينية؟
<< مصر لها دور مهم فى القضية الفلسطينية على مر التاريخ، وهو دور نابع من مكانتها المحورية فى المنطقة، والقضية الفلسطينية قضية مصيرية لا تنفك عن أحد منا، ولذا فإننا لن نتأخر لحظة فى الدفاع عن هذه القضية التى تعتبر القضية الأولى للدولة المصرية على مر السنوات الماضية وستظل كذلك، وعلى مستوى المؤسسات الدينية فى مصر فإنها تقوم بدورٍ مهمٍ فى نشر الوعى بالقضية وملابساتها.
< ما هو دور دار الإفتاء فى دعم القضية الفلسطينية وأدواتكم لتحقيق ذلك؟
<< دار الإفتاء شاركت بكثيرٍ من الجهود فى رفع الوعى المجتمعى بأهمية هذه القضية ومكانة المسجد الأقصى وقدسيته، وسنواصل المسيرة بإذن الله تعالى من خلال جهود نوعية تدعم الجانب المعرفى لدى الأجيال الحالية بأهمية هذه القضية وملابساتها، وبيان محاولات الكيان المحتل لتزييف التاريخ وتضليل الرأى العام العالمى رغبة فى الاستمرار فى إجرامه ضد هذا الشعب الأعزل وانتهاك حقوقه وإنسانيته.
< وما هى خطة الدار فى المواجهة الفكرية ضد الفكر المتطرف وما السبل التى تعمل عليها دار الإفتاء لصناعة الوعى؟
<< الدار تعمل وفقًا لاستراتيجية شاملة فى عملية المواجهة الفكرية لكل فكر منحرف، سواء من خلال خدمة الفتوى والتى يقع عليها دور مهم فى الرد على استفسارات الجمهور فى كثيرٍ من القضايا المثارة والتى تسعى التيارات المتطرفة لتشتيت عقول الناس بها وزعزعة عقائدهم، حيث يتم الرد من جانب أمناء الفتوى بشكل منهجى منضبط يحقق المراد ويدحض مثل هذه الشبهات، كما أن المراكز البحثية بالدار تقوم بدور مهم فى مدارسة المفاهيم والأطروحات التى يثيرها هؤلاء وتقدم ردود قوية عليها تبطل افتراءاتهم على صحيح الدين ونصوصه.
< البعض يرى أن المؤسسات الدينية فى مصر ما زالت متعثرة فى قضية تجديد الخطاب الدينى.. ما رد فضيلتكم على ذلك.. وما آليات الدار فى التجديد؟
<< تجديد الخطاب الدينية مسئولية مشتركة بين الجميع، وأعتقد أن المؤسسات الدينية فى مصر قامت بدور مهم فيه ولكننا نأمل أن نحقق المزيد من الجهود للوصول إلى خطاب أكثر انضباطًا ويمكن أن يفوت الفرصة على الدخلاء عليه من غير المتخصصين. والحقيقة أن إشكالية هذا المصطلح ناتجة عن سوء فهمه، وهو اعتقاد البعض بأن تجديد الخطاب الدينى هو تغيير لبعض الثوابت، لكن الواقع الذى ينبغى أن يفهمه الناس أن التجديد هنا فى الخطاب وليس فى الدين ذاته، فالدين ثابت بمصادره التشريعية، لكننا ومع تغير أحوال الناس وطبائعهم واهتماماتهم دعت الحاجة إلى تطوير الخطاب الموجه لهم، لتحقيق رسالة الدين أولًا، ثم التوافق مع معطيات العصر وتحقيق الصالح المجتمعى، خاصة وأن الدين الإسلامى دين يسر يرفض التشدد بكل أنواعه فلا إفراط ولا تفريط. وهذا التجديد ليس مقصورًا على الخطاب الدينى فحسب، وإنما نحن فى حاجة إلى تطوير للغة الخطاب المجتمعى بشكل عام بما يغلق الباب أمام كل فهم غير صحيح فى كل مجال من مجالات الحياة.
< ماذا عن سبل دار الإفتاء لمواجهة الإسلاموفوبيا ومساعدة الجاليات المسلمة فى الغرب على الاندماج الإيجابى والفعال فى المجتمعات الغربية التى يعيشون فيها؟
<< إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم تحت رعاية دار الإفتاء المصرية كان خطوة مهمة لمشاركة عالمية فى كثير من القضايا المشتركة ومواجهة تحدياتها ومنها مفهوم الإسلاموفوبيا، حيث تسهم الجهود المشتركة فى تصحيح الصورة المغلوطة لدى البعض عن الإسلام من خلال رفض تلك الأفعال التى تنسب للإسلام وهو منها براء.
< ما رؤيتكم لتحقيق التنمية المستدامة وهل هناك علاقة بينها وبين مقاصد الشريعة الإسلامية؟
<< دعنا نتفق أن التنمية فى عمومها لا تقتصر على جانب معين من مجالات الحياة وإنما تشمل جميع المجالات حتى تحقق مرادها، وهو ما يحتاج إلى التكامل مع منظمات المجتمع المدنى لهذا الهدف المهم، وعلى مستوى الشريعة فإن هناك ثمة علاقة وثيقة بين العلوم البيئية وبين الدين، كما أن هناك علاقة أيضًا بين الإنسان وبين البيئة التى يعيش فيها، ومهمته حمايتها، وليس الإفساد فيها، وبالتالى مهمته تحقيق التنمية؛ فالإنسان مستخلف لعمارة الكون فى الأساس، وهو ما يشير إليه القرآن والسنة النبوية التى تدعو نصوصها إلى إعمار الأرض وزراعتها وحمايتها، كما أن الإنسان لا بد أن يحسن استغلال الطبيعة بدون إسراف ويحميها ويطورها، وفق التعاليم السماوية، بما يساهم فى تحقيق الصالح للبلاد والعباد، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته كما بينت ذلك السنة المطهرة.
< باعتباركم ابن الأزهر.. ما تقييمك لجهود الأزهر الشريف لمساندة قضية المسلمين الأولى (القضية الفلسطينية) ودور فضيلة الإمام الأكبر تجاهها؟
<< كلنا كمؤسسات دينية نعمل فى تعاون متكامل فى مختلف القضايا وتحت راية هذه المؤسسة العريقة التى يزيد عمرها على الألف عام وهى مؤسسة الأزهر، والجميع يعرف دور الأزهر على مر التاريخ وموقف علمائه وشيوخه الأجلاء ودعمهم الواضح للقضية الفلسطينية ورفضهم الدائم لهذه الانتهاكات التى يرتكبها هذا الاحتلال الغاصب طيلة السنوات الماضية.
< ماذا عن آليات الدار لتحقيق الحماية المجتمعية للأسر المصرية؟
<< دار الإفتاء تتعامل مع الأسرة المصرية برؤيةٍ شاملةٍ تستهدف فى النهاية تحقيق الحماية من خلال رفع الوعى المجتمعى، للوصول إلى مجتمع يعى ما يحاك له ويمتلك القدرة على المواجهة وصد كل مخطط ينال من استقراره وانضباطه. وفى دار الإفتاء تتعدد آليات العمل على حماية الأسرة المصرية سواء من خلال تكثيف الفتاوى المباشرة للرد الفورى على الجمهور. فى جميع استفساراتهم، أم من خلال ما تقدمه من إصدارات علمية تتعلق بهذا الشأن ومنها دليل الأسرة المصرية، أو ما تعقده من توعية مباشرة لأفراد الأسرة وفئاتها المتنوعة. كذلك لدينا الكثير من الآليات للوصول للشباب من خلال خطاب معاصر ومناسب لفئة الشباب باعتبار أنهم أكثرية فى المجتمع وهم ساعد الأمة، وهو ما تقوم به دار الإفتاء ونسعى لدعمه خلال الفترة القادمة سواء من خلال تكثيف المحتوى المرئى والمبسط الذى تُقدم به المفاهيم العلمية أملًا فى تثقيف هذه الفئة بالمفاهيم الدينية المرتبطة خاصة المتعلقة بعلاقاتهم بربهم فى جانب العبادات، والمتعلقة بعلاقتهم بالناس من خلال المعاملات. كذلك لدينا خطة لتوسيع دائرة التعاون مع الجامعات ومراكز الشباب والنوادى لعقد ندوات حوارية وتثقيفية حول كثير من القضايا والمفاهيم التى تحتاج إلى التعامل المنضبط معها بمنطقية لا تتعارض مع مقاصد الشارع الحكيم وترفع الحرج عن الناس فى كثير من الأمور المتعلقة بشئون حياتهم.
< ما دور مؤشر الفتوى تجاه قضايا الانتحار والإلحاد والتطرف وهل هناك خطة للتصدى لمثل هذه القضايا؟
<< نعمل على مواجهة هذه القضايا بأساليب متنوعة لمواجهة ما يرتبط بها من أفكار ومفاهيم تخالط الفطرة الإنسانية السليمة، وتخالف مقاصد الشريعة السمحاء، سواء من خلال ما تقدمه الدار من إصدارات علمية أو ما تعقده من ندوات ومؤتمرات تواجه هذا النوع من الفكر، ونسعى -بإذن الله- للتوسع فى استراتيجية المواجهة بطريقةٍ تخاطب الفئات الجماهيرية المستهدفة من هذا الفكر وعلى رأسها الشباب، من خلال جرعة مكثفة من الأعمال المرئية والحلقات النقاشية التى تفند هذا الفكر بالمنطق وتكشف عواره وتحافظ على العقول من سمومه ومخاطره على مستوى الفرد والمجتمع.
< ما هى خطة الدار لمواجهة الإلحاد بين الشباب؟
<< على مستوى الإلحاد، دعنا نقُلْ إن القائمين على الإلحاد المعاصر لم يقتصروا على محاولة تفكيك الدين من حيث أصوله وقضايا الاعتقاد فيه، بل امتد ليشمل محاولة تفكيك وتحليل ونقد التشريع، وتاريخه، ونظامه، وأهدافه، حتى يصل فى النهاية لإنكار الوجود الإلهى فى هذا الكون، حيث روج هؤلاء لكثير من الأفكار العبثية، ومن هنا فإننا وضعنا خطة فاعلة لمواجهة هذا الفكر تشمل نحو سبعة محاور مهمة، ومنها: تجديد وسائل الخطاب الإفتائى وتطويرها لنقد الخطابات الإلحادية، لتشمل المحتويات الهادفة عبر الوسائل الفنية، كالرواية، والدراما، والسينما، والمسرح، سيما أن هذه الأدوات نفسها يوظفها الملحدون ببراعة لترويج أفكارهم، مع ضرورة تعاون المؤسسات الدينية و الإفتائية فى إنشاء كيان علمى بحثى، يضم باحثين فى (الفقه والفلسفة، وعلمى النفس والاجتماع، وعلوم الطبيعة والحياة)، هدفه: استقراء أشهر المؤلفات الإلحادية، وتفكيكها. وتقديم نقد علمى وموضوعى لها، كذلك ضرورة تشكيل فريق من المترجمين البارعين، لنقل هذه المؤلفات إلى المكتبة العربية، ونقل ما أنتجه المفكرون والفلاسفة العرب إلى اللغات الأخرى، والتعاون بين المؤسسات العلمية والدينية والإفتائية، فى إعداد برامج تعليمية متخصصة، تضم حزمة من المقررات المناسبة، التى تستهدف تأهيل الأذكياء من (الطلاب، والباحثين، والوعاظ، والمفتين) لنقد الخطابات الإلحادية، ومن أهم هذه المقررات المقترحة، مقرر لتناول (النظريات العلمية الحديثة وأبعادها الدينية والفلسفية)، ومقرر لنقد الأسس (الفلسفية، والتاريخية، والنفسية، والاجتماعية للإلحاد). كذلك تشمل هذه الخطة تشكيل المؤسسات الافتائية لبرامج تأهيلية متخصصة، تستهدف أولئك الذين أصابتهم لوثات (الفكر الإلحادي)، بتقديم الدعم (النفسى والمعرفى) لهم، وفق دراسات ومنهجية محكمة، مع أهمية توسع المؤسسات الدينية فى إقامة المؤتمرات والندوات وورش العمل، التى تستهدف تعزيز اليقين، وتشكيل لجان مؤهلة من (العلماء والباحثين والوعاظ والمفتين) لتوعية الشباب بمغالطات هذا الفكر الهدام، وكذلك فإنه على المؤسسات والهيئات المعنية بنقد الخطابات الإلحادية، التوسع فى إعداد المحتويات المرئية، والتقريرات والأفلام الوثائقية، وتسويقها باحترافية عالية عبر وسائل التواصل والإعلام المختلفة.
< التحول الرقمى صار إحدى خطوات الدولة المصرية فى الوقت الراهن.. فما أبرز الخطوات التى اتخذتها الدار فى هذا الشأن؟
<< الدار خطت خطوات مهمة فى التحول الرقمى، للتوافق مع رؤية الدولة المصرية وتحقيق معدلات مهمة فى مجال التنمية المجتمعية التى تحتاج إلى التوافق مع تطورات العصر ومعطياته. ودار الإفتاء طبقت بالفعل التحول الرقمى فى نظام العمل الإدارى لديها وفيما تقدمه من خدمات جماهيرية، لأجل يسر العمل وزيادة معدلات الإنتاج اليومى على المستوى العلمى والخدمى، وقد شهدت مختلف الإدارات تطورًا ملحوظًا فى هذا الشأن، ومنها مثلًا ميكنة الفتاوى واعتماد نظام متكامل تعمل من خلاله كل الإدارات الشرعية بدورة عمل كاملة من بداية طلب الفتوى وحتى مرحلة الاعتماد النهائى، وهو أمر يسهم فى سرعة وتيسير الإجابة على الفتاوى، أشكالها المتنوعة سواء المكتوبة، أم الشفوية، بالإضافة إلى فتاوى المحاكم، أو الفتاوى الإلكترونية إلى غير ذلك. كما أنه من أبرز هذا التحول التطور الذى شهده قطاع المؤشر العالمى للفتوى والذى يشهد رصد جميع الآراء الصادرة عن جميع المؤسسات الافتائية ويتم تحليلها ورصدها والخروج ببعض الاستنتاجات المهمة منها، هذا بالإضافة إلى ميكنة البيانات المتعلقة بالموظفين وتدرجهم الوظيفى وملفات الخدمة الخاصة بهم وما يتعلق بهم من ترقيات وأوراق رسمية وقرارات إدارية، كما أن الدار سوف تستمر -بإذن الله- فى استكمال عمليات التحول وتطوير العمل الإدارى خلال الفترة القادمة بما يتوافق مع معطيات العصر وتطوراته.
< شهدت الآونة الأخيرة هجومًا حادًا على التصوف بسبب تصرفات بعض منتسبيه.. فما حقيقة التصوف وما ردكم على من يهاجمونه؟
<< التصوف معناه العام الحقيقى الصحيح هو يمثل ذروة سنام الإسلام الصحيح، لأنه يعبر عن مقام الإحسان، لكن هذا لا ينفى أن هناك بعض المنتسبين إلى التصوف أو أدعياء التصوف أساءوا إلى التصوف بأمور وادعاءات وأفعال وسلوكيات لا تتوافق أبدًا مع صحيح التصوف، لأن التصوف فى مجمله حياة روحية مبناها الالتزام بالكتاب والسنة، وهذا هو ما قاله الإمام القشيرى، ونص عليه «الجنيد» سيد الطائفة وقال: إن علمنا مقيد بالكتاب والسنة، فإذا رأيتم الرجل يطير فى الهواء ويمشى على الماء ويأتى بما يناق الكتاب والسنة فاعلم أنه مبتدع، وهذه إشكالية إن بعض الذين يتكسبون من وراء التصوف أساءوا إلى التصوف، وهؤلاء عند الصوفية الحقة ينظر إليهم على أنهم أدعياء أو دخلاء، فى حقيقة الأمر التصوف الإسلامى يمثل الجانب الروحى فى الإسلام المعتدل الذى يحرص فيه المسلم على الجمع بين الحياة الأولى والحياة الآخرة بين حظوظه من الدنيا وحظوظه من الآخرة، ونحن نحتاج إلى هذا الاتجاه السلوكى فى العالم المادى الذى طغت فيه المادة وانعدمت فيه السلوكيات الحسنة والهجوم على التصوف فى الواقع ليس هجومًا على التصوف وإنما ينصرف إلى بعض الأدعياء وبعض الدخلاء نتيجة أفعالهم التى يرفها حتى غير الصوفى يرفضها المسلم العادى باعتبارها أفعالا لا تتوفق مع القرآن والسنة ولا الأعراف والعادات والتقاليد، ويفهم منها أمور معينة يعطى بها من خلالها فرصة لبعض الأشخاص أو الترخيص لهم، وهذه كلها لها أصل.
< ظهرت بعض مقاطع اليوتيوب على مواقع التواصل الاجتماعى فى محاولة لإخضاع القرآن الكريم للنغمات الموسيقية، وقراءته قراءة مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغنى به فما رأيكم؟
<< القرآن الكريم كلام الله رب العالمين، أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ولم ينزله ليطرب به الناس أو يتغنوا به وقد أمر الله المسلمين بفهم معانيه وتدبر ما فيه من عظات وآداب بكل أحكامه، وسماع القرآن الكريم كما تسمع الأغانى يجعله أداة لهو وطرب ينصرف فيه السامع إلى ما فيه من لذة وطرب، عما أنزل القرآن له من هداية وللناس وإرشادهم، والقرآن الملحن بالموسيقى ليس هو القرآن الذى أنزله الله على رسوله وتعبدنا بتلاوته التى تلقيناها عن رسول الله وأننا إذا أجزنا قراءة القرآن ملحنًا تلحينًا موسيقيًا وسماعه مصحوبًا بآلات الموسيقى، نكون قد حرفنا كتاب الله وبدلناه وفى ذلك ضياع الدين وهلاك المسلمين، فقد روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله: إن الأذان سهل سمح فإذا كان أذانك سمحًا سهلاً، وإلا فلا تؤذن» أخرجه الدارقطنى فى سننه، فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد منع ذلك فى الأذان فأحرى أن لا يجوزه فى القرآن الذى حفظه الرحمن فقال وقوله الحق: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» وقال تبارك وتعالى: «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد»، وقد رأى العلماء فى قراءة القرآن على صورة التلحين والغناء والتطريب المنع والتحريم وأن من المقطوع به أنهم يحرمون بالأولى.
< ما تقييم فضيلتكم لإطلاق المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية.. بداية جديدة لبناء الإنسان؟
<< هذه المبادرة تمثل أهميةَ كبرى فى الارتقاء بالمواطن المصرى وتعزيز جودة الخدمات المقدمة فى مجالات: التعليم، والصحة، والرياضة، والثقافة، بما يحقق جهود الدولة المبذولة لتطوير مهارات المواطنين بما يتماشى وتطورات سوق العمل، وتعزيز منظومة القِيَمِ والأخلاق التى تليق بالشعب المصرى وتاريخه وحضارته. كما أنَّنا دار الافتاء المصرية ومن واقع مسئوليتها الدينية والوطنية سنشارك بفاعلية فى المبادرة من خلال دعم القِيَم المجتمعية والأخلاقية، ونشر رسائل مركزة للمساهمة فى التصدِّى للتحديات الثقافية والفكرية التى تواجه الشباب، خاصة أن هذه المبادرة تمثِّل ركيزةً أساسية لاستعادة الهُويَّة الوطنية وتعزيز الانتماء من خلال برامج تعليمية وثقافية تلبى تطلعات الشباب وتواكب العصر، كما أنها تعكس رؤيةً متكاملة لبناء مجتمع قوى ومتماسك.
< أخيرًا.. ما آمال وطموحات فضيلة المفتى؟
<< الرجاءات لا حد لها، والطموح فى هذا المكان لاحد له، فقد أدعو الله تبارك وتعالى أن يهيئ لى من أمرى رشدًا وأن يهيئ لى البطانة الصالحة التى تكون عونًا لى على الأخذ بهذه المسئولية أخذًا حكيمًا رشيدًا سديدًا يقود الخير إلى البلاد والعباد، هناك آمال أن تتجاوز ما وصلت إليه دار الافتاء على الرغم مما وصلت إليه من إنجازات ومبتكرات ومراكز بحثية ووحدات علمية سواء فى الداخل واشتباكها مع قضايا الواقع داخليًا وخارجيًا ولكن نسعى إلى تتجاوز هذا إلى أعظم نفعًا وأكثر فائدة ويتوافق مع لغة العصر، نسعى إلى انفتاح أكبر فى البرامج والوسائل التقنية، نسعى إلى أكبر استفادة من الذكاء الاصطناعى وكيفية تطويعه لخدمة الفتوى وكيفية تغذيته بصحيح الفتوى، نسعى كذلك لإبراز صورة صحيحة للفتوى الرشيدة التى تتعلق بقضايا الوطن والمواطن وقضايا المرأة والقضايا الفقهية، نسعى إلى إعادة النظر فى الفتاوى القديمة وإعادة طرحها بشكل يتجاوب مع معطيات العصر وبما لا يخرج عن حدود الشرع، نسعى كذلك-بفضل الله- إلى إنشاء مجموعة من الوحدات قد تكون تكنولوجية أو بحثية، ونسعى إلى إيجاد نوعٍ من المراكز العلمية والاسترشادية والمراكز ذات الأهداف المحددة والتوجهات الواضحة التى يقصد منها خدمة الدين والوطن والبشرية جمعاء، نسعى إلى إيجاد نوعٍ من البروتوكولات والاتفاقات مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية والافتائية داخل مصر وخارجها، ونسعى إلى مد الجسور مع أمانات وهيئات الفتوى الأخرى، غير الهيئات التى تستظل بمظلة الأمانة العامة لدور الافتاء.